الأسماء والمسميات

Dr. Ali- 2

 

 

بقلم: د. على جمعة

مفتى الديار المصرية

الاهتمام بالأسماء والمسميات له أثر كبير في عقلية المجتمع‏،‏ وفيما يتبناه الناس‏، وفي تكيف العلاقات‏،‏ ولذلك أمرنا في الشريعة بألا نتلاعب بالأسماء في مقابل المسميات والمعاني‏،‏ يقول ربنا سبحانه وتعالى ـ وهو يحذر من الشرك ومن الوقوع فيه‏، بناء على التلاعب بالأسماء ـ‏: {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى‏}(‏ النجم‏:23).‏

ويخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه العلة سوف تصيب أمته‏،‏ وأن بعض الناس سوف يستحلون الحرام بناء على تلاعبهم بهذه القضية‏،‏ فقد ثبت أن أبا مسلم الخولاني حج‏,‏ فدخل على عائشة ـ زوج النبي صلي الله عليه وسلم ـ فجعلت تسأله عن الشام وعن بردها‏،‏ فجعل يخبرها‏،‏ فقالت‏:‏ كيف يصبرون على بردها ؟ قال‏:‏ يا أم المؤمنين‏،‏ إنهم يشربون شرابا لهم يقال له الطلا‏.‏ قالت‏:‏ صدق الله‏،‏ وبلغ حبي صلى الله عليه وسلم‏، سمعته يقول‏:‏ إن ناسا من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها ‏(‏ أخرجه الحاكم في المستدرك وقال على شرط الشيخين‏).‏

ولقد بدأ يشيع في مجتمعنا شيء من عدم ضبط الأسماء‏، مما يترتب عليه استحلال الحرام‏،‏ وشيوع الفساد‏، وقبول الفاحشة‏،‏ وهو ما يهدد السلام الاجتماعي‏،‏ وعلاقة الإنسان في سلامه مع ربه‏،‏ باستهانة غريبة عجيبة يحاول فيها بعض المتصدرين بأن يشرع للناس بتجربته الخاصة وهواه أيا ما كان نوع هذا الهوى‏،‏ وأن يحدد له معيار القبول والرد‏،‏ حتى دخل فيمن قال الله فيهم‏ {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون‏}(‏ الجاثية‏:23)‏

وهذا النوع من الناس قال الله فيه‏ {أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا‏} (‏ الفرقان‏:43).‏ لأن التلاعب بالأسماء يقطع التواصل الثقافي‏، ويحدث حالة‏(‏ حوار الطرشان‏)‏ ومن أمثلة ذلك‏:‏

1- تسمية الزنا بالعلاقة‏،‏ فنرى في برامج كثيرة تذاع على الهواء مباشرة تتكلم البنت ويتكلم الولد عن أن بينهما علاقة‏، وعندما نستمع إلى نهاية الحديث يتبين أنها زنا صريح‏، نشأ منه في بعض الأحيان حمل‏،‏ ويسمى الزنا عندهم أيضا بالحب، والحميمية‏،‏ وبالارتباط، وفي كل هذه الأسماء محاولة للبعد عن المردود السمعي السلبي القبيح لكلمة الزنا التي تنفر منها النفوس‏، وترتبط ارتباطا واضحا بكلمة الفاحشة‏،‏ وبما لها أيضا من دلالة يلزم معها البعد عنها واستنكارها‏.‏

2- تسمية العدوان على الأنثى ختانا‏،‏ حتى إن كثيرا من الناس قد مرر عليه هذا‏،‏ وظن أن العدوان على الأنثى الذي يحدث بمصر يندرج تحت الختان الذي هو فطرة باتفاق المسلمين في حق الذكر‏،‏ وشاع هذا حتى صار كالمسلمات‏،‏ واستحل بموجبه العدوان المستوجب للقصاص‏، وذلك لعدم مراجعة شروط عادة ختان الإناث قديما‏،‏ وذلك لأنهم اشترطوا فيها القطع الذي بمعنى الشق دون الاستئصال كما يقول الماوردي فيما نقله عنه ابن حجر العسقلاني في فتح الباري‏:340/10,‏ وأيده النووي أيضا في المجموع‏148/3،‏ فعبر بالقطع دون الاستئصال‏.‏

ومعنى هذا أن تلك العادة حتى تطبق على وجهها يجب أن يقوم بها ليس كل طبيب‏، ولا كل جراح‏، بل خبير متخصص في هذه الجراحة وفي هذا الموضع الدقيق الحساس‏، وكل ذلك من أجل استمرار عادة تغير حالها بتغير موضوعها كما يقول الأصوليون والفقهاء‏،‏ فهذه العادة كانت توجد والملابس واسعة، والإثارة قليلة‏،‏ والإنسان يتصل بالكون أكثر،‏ جسده لا يتأثر بتلوث بيئي منتشر‏، وبالرغم من ذلك لم تكن شائعة في المشارق ولا في المغارب دون مصر وبعض بلاد إفريقيا،‏ فلما تغيرت البيئة وكثر التلوث وضاقت الملابس‏، وكثرت الإثارة، واعتمد الناس على السيارات والطيارات‏، وتقارب الزمان‏،‏ وتغير العلاج‏،‏ فأصبح بالمواد الكيماوية دون الطبيعة أجمع الأطباء على ضررها في حق الإناث‏،‏ وعلى أنها لم تعد على حالها القديم‏،‏ فإطلاق اسم الختان عليها تلبيس وتدليس نضطر إليه لشيوع اللفظ‏،‏ لا لترتيب الأحكام‏.‏

والمرجو من العلماء ومن المفكرين في الشرع وفي الطب وفي الاجتماع البشري أن يقفوا يدا واحدة للقضاء على هذه العادة الذميمة‏، غير ملتفتين لمن يريد أن يسحب ما في الكتب على واقع قد تغير‏، غير عابئين بكل المعاني الأخرى،‏ وهذا تلاعب بالأسماء بإزاء المسميات‏.‏ قد لا يكون مقصودا وقد يكون مقصودا‏.‏

3- وتأكيدا على هذا المعني نقول إنه لم يصح حديث في هذا‏،‏ قال شمس الحق العظيم آبادي في‏(‏ عون المعبود‏)126/14:‏ وحديث ختان المرأة روي من أوجه كثيرة وكلها ضعيفة معلولة مخدوشة لا يصح الاحتجاج بها كما عرفت‏.

ويقول الشوكاني في‏(‏ نيل الأوطار‏)191/1:‏ ومع كون الحديث لا يصلح للاحتجاج به‏،‏ فهو لا حجة فيه على المطلوب‏,‏ وقال ابن المنذر‏:‏ ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تتبع‏.‏ وأكد هذا لفهم جماعة من العلماء المعاصرين منهم الشيخ محمد عرفة عضو جماعة كبار العلماء في مقال له في مجلة الأزهر عدد ‏24‏ لسنة‏1952،‏ وهذا ما ذهب إليه كذلك فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي‏،‏ وهو ما ذهب إليه مجمع البحوث الإسلامية بجلسته بتاريخ‏2007/6/28‏ حيث رأي ضرورة تنظيم حملة إرشادية وإعلامية تحذر المواطنين من ممارسة هذه العادة الضارة‏.

هذا كله يوضح حقيقة المسألة‏، وطبيعتها فيما نحن فيه من تغيرات بيئية‏،‏ نسأل الله أن يلهمنا صوابنا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.

الأهرام 9 يوليو 2007